ان المحب يريد ان يتعرف اكثر على حبيبه و الطفل المحب يريد ان يتعرف اكثر على والده اين يغيب طوال ساعات العمل؟ ماذا يفعل هناك؟ من يقابل؟ و مع من يتحدث؟ واصطحاب الأب لطفله يوما الى العمل يشعر الطفل بالتميز ويكسبه الثقه بالنفس و يوسع آفاقه ويزيد ثقته بنفسه و هناك سيري كيف أن أباه يتعب من اجله, واليكم القصص التاليه.....
كان والدي -رحمه الله- يأخذني معه الى مقرعمله وكان لهذا الفعل أثر السحر على وهناك كان يفتخر بي أمام أصحابه فكنت اسعى دوما لتحقيق آماله قبل ان يتمناها.
كان أبي يعمل محصلا للتذاكر في شركه الاوتوبيس العامة ولا أنسى يوم ان اخذني معه في رحلة داخل الاتوبيس الذي يعمل فيه، فجلست بجوار الشباك وشاهدته وهو يمارس عمله في تحصيل الأجرة من الركاب واعطائهم التذاكر و كلما مره بجواري غمز لي بعينه, لقد مرحت في هذا اليوم كثيرا و شاهدت كيف أن أبي يتحمل التعب بكثير من الصبر و الرضا, كم كنت يومها فخورا بأبي رغم وظيفته المتواضعه و انتهى اليوم بتناول وجبه الغداء مع أبي و سائق الاوتوبيس و اليوم بعد مرور اكثر من 30 عاما على هذا الموقف لا انساه ابدا و كلما مررت بسيارتي في طريق الرحلة التي قطعتها في اوتوبيس أبي تفيض الدموع من عيني شوقا اليه ادعو له بالرحمة والمغفرة.
عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي كانتأمي ترسلني الى مكان عمل أبي لأوصل له طعام الغداء و كان تقول لي اذهب لترى أباك كم يتعب من أجلنا فكنت اذهب حيث يعمل ابي وكان اجيرا عند احد الفلاحين فاستقبلني في ترحيب و العرق يتصبب منه و التراب على وجهه ثم همس في اذني وقال: اذهب الى البيت وذاكر فان لك باذن الله مستقبلا كبيرا كنت أعود الى البيت لألتهم الكتب و اشرب ما فيها من علم, ودارت السنين وسافر أبي الي احدى دول الخليج و فتحت علينا الدنيا واشترينا ارضا وبيتا و من ثقة أبي في كان يرسل لي المال و انا في المرحلة الثانوية لأنفق على بناء البيت تحت اشراف أمي و مرت سنوات و دخلت كليه الهندسه الالكترونيه و اليوم اعمل مديرا في احدى شركات البترول العالميه اسافر بطائره خاصة وبراتب كبير لكنني لم انس منظر أبي و هو يعمل اجيرا في حقول الاخرين... كم انت كريم علينا يا ربنا و كم كانت أمي حكيمة حينما كانت ترسلني الى مكان عمل ابي لأراه كيف يتعب من أجلنا وربما لو لم تفعل امي ذلك لكنت انسان فاشل.
كنت طفلا كثير الطلبات لا تعجبني حياتنا و دائما انظر لمن هم اغنى منا، ذات يوم أعطاني والدي مبلغ من المال لأشتري طعاما بسيطا فاخذته منه ورميته في الشارع وضاع, لم يعاقبني ابي و لكنه قال عندي لك غدا مفاجأة جهز نفسم للخروج معي صباحا و في الصباح اخذني أبي في رحله معه الى العمل وظللنا نمشي قرابه النصف ساعه الى ان تعبت ومللت و اخيرا وصلنا الى العمل و هناك اكرمني ابي كثيرا و انتهى اليوم وعدنا الى البيت سيرا على الاقدام فقلت لأبي لقد تعبت ألا يمكن ان نركب فقال يا بني انا يوميا امشي هذه المسافه لأوفر لكم ثمن المواصلات و انا سعيد بذلك اتعرف المبلغ الذي رميته بالامس هو نفسه تقريبا أجره المواصلات الذي أوفره يوميا عندها شعرت أن سياره صدمتني كم كنت ابنا قاسيا عليك يا أبي! ومن يومها بدأت رحلتي مع الرضا.
كانت أمي تأخذني معها الى العمل يوم الاجازه المدرسيه و هناك رأيت كم تتعب و تعاني فكنت لا أنفق النقود قبل أن اراجع نفسي الف مره، فهذه النقود تعبت فيها امي الحبيبة.
كان أبي يمتلك محلا يعمل به و في الاجازة الصيفية كنت اعمل معه وذات يوم أخذني في جانب من المحل و قال لي أانت رجل فما يحدث في المحل يجب ألا تنقله للبيت فتملؤه مشاكل و ما يحدث في البيت يجب ألا تنقله الى العمل حتى لا تفشي اسرار بيتك، وكانت امي تسالني عما يحدث في العمل فلا أقول لها لا لأنها اسرار العمل و انا رجل، ومن يومها اصبحت رجلا يكتم الأسرار جيدا ولا أذيعها مهما حدث.
.
.
من كتاب 700 فكرة في تربية الأبناء